السبت، 16 يناير 2010

نوم العازب

سااااااااااااااااكن قصاااااااديييييي... و بحبو! هكذا انطلق صوت المطربة (نجاة) من جهاز الستريو على موجة اذاعة الاسكندرية، و هبت نسائم الهواء تحمل ريح البحر التى تزداد دائما مع لفحة برد ليالى الشتاء، كنت واقفا خلف شباك غرفتى اراقب الشباك المقابل لمنزلنا الكائن بمنطقة بحرى و المعروفة بمبانيها التى تكاد تلتصق ببعضها من شدة القرب.
و يبدو ان كلمات نجاة كانت قد اتت فى محلها فأنا - و يا لوكستى - قلبى معلق بهذا الشيش المتهالك، بتلك الشرفة الرخامية العتيقة، بهاتان العينان من خلف نظارة لعلاج قصر النظر و يا لهما من عينان! صاحبتهما جميلة.. لا بل اجمل من جميلة، تذكرك بجليلة عشيقة سيد درويش! يا سيدى... و جاذبيتها.. يتهافت الخطاب عليها كما لو انها (الست بدارة)* فى اوج مجدها، شعرها حتى الكتف، ليس ناعما من اثر مياه البحر، حيث كانت تذهب باكر كل يوم لتبلل شعرها بمياه الانفوشى، قوامها ليس كبقية بنات بحرى، رشيقة، تهوى ارتداء الجينز و التيشرت، ليست ملابسها بالضيقة الفاضحة و لا القصيرة الجارحة و لكنها تعكس شخصيتها الساحرة.
عودت عينى، تارارارا، علاااااا رؤيااااااك، الله عليكى يا سومة ... ما ان نطقت كوكب الشرق بالمكنون، طلت امامى معذبتى مشمرة عن ساعديها المرمريتين تعصر جلبابا و تهيئه للنشر، تأخذ مشبك الغسيل و تضعه بين شفتيها الورديتين، ثم ترفع نظرها الى نافذتى بطرف عيناها و على شفتيها ابتسامة واثقة - يا لهوى - و ببطء تغلق ضلفتى الشيش و هى ترسل النظرات من ورائهما! فأنسحب الى سريرى ساعيا للنوم على وضعية ( نوم العازب) ممنيا نفسى بأن تأتى حوريتى لتراقصنى فى احلامى.
حل الصباح، و كعادتى استيقظت مبكرا... جدا... من اجل التحضر لرؤيتها، وضعت الستريو بجانب النافذة، و ما ان فتحت نافذتها حتى اشرقت شمسى و ذهبت عنى قرصة برد الصباح، فأسرعت بتشغيل الاغنية، و صدح محمد قنديل مناديا يا حلو صبح يا حلو طل... يا حلو صبح نهارنا فل! من قد ايه و انا بستنااااااااااااك و عينى عالباب و الشباك عشان اقوللك و اترجاك.... (قول يا قنديل قول كمان جايز تحس) لكنها بالتأكيد تعرف، او على الاقل تشعر بشىء! و لكن هذا ليس كافيا لابد ان آخذ خطوة ما او هذا ما اعتقد انها تنتظره منى... يمكن!
تلك الليلة انتظرت فى نافذتى و ليس خلفها مثل كل ليلة، حاولت طمأنة نفسى بالاستماع الى بعض الاغانى القديمة، فأنا مدمن لها منذ صغرى، ادرت مؤشر الاذاعات بموجات الراديو حتى استوقنى (طِلِب) مطمئنا، شوفت حبييييييييييييييبى و فرحت معاه! لحظتها هدأت لوهلة دقات قلبى و لكنها اسرعت مرة اخرى حين هلت على قمر ليالى المظلمة، فتحت الشيش على مصراعيه، و مالت بجسدها الانثوى تستند على سور الشرفة و اطالت النظر الى بنظرتها المعهودة و نفس الابتسامة الواثقة و قالت : هممم هتسمعنى ايه النهاردة؟ لم ادرك لحظتها كيف التصرف و نسيت سبب انتظارى لها و يبدو ان (طِلِب) كان مخطئا حين قال و فرحت معاه! كان لازم يقول و صدمت معاه! و تنَّحت معاه! لم يكن منى سوى ان ابتسمت ابتسامة شديدة البلاهة، كما لو انى لم ار نساءاً من قبل.
حاولت تجميع ما استطعت تجميعه من شجاعة و حفظ ماء الوجه و قلت لها: انا عايزك! فقامت برفع حاجبها الايمن و مدت يدها نحو كاحلها الايسر، فأسرعت قائلا: قصدى عايز اتكلم معاكى، ردت ببعض الحزم: بخصوص ايه؟ قلت: انا بحبك! قصدى مش بحبك! يووووووه قصدى انا معجب بيكى... من زمان معجب بيكى، و خايف اقولك تصدينى، او تخافى حتى تكلمينى، و لا باللى فى رجلك و تحدفينى! انا... انا عمرى ما كنت كده! انتى عارفانى، احنا جران من زمان أوى! و الحتة كلها عارفانى و عارفة انى مش بعاكسك و لا طالب منك حاجة بطالة لا سمح الله! قالت: اومال عايز ايه؟ قلت: عايزك تحبينى! قصدى تدينى فرصة، نقرب من بعض و يمكن تحبينى! قالت: و بعد ماحبك؟ قلت: نتجوز طبعا! قالت باستنكار: و انتا حمل جواز؟ قصدى معاك اللى يعيشنا كويسين؟ متقولليش مستورين! الستر دلوقتى زى العرى مش فارق حاجة! انتا ما حلتكش الا شقة المرحومة امك و كمان ايجار، والبيت مش مستحمل، شوية شتا يخلوه كوم تراب! ما سألتش نفسك انا مش راضية بأى واحد من الحتة ليه؟ مع ان كلهم متربيين نفس تربيتك و كلنا ولاد صدر واحد! بس كلهم زيك كده اخرهم يسمعوا اغانى و يبصبصوا على البنات من ورا الشيش! عارفين ان فرصهم قليلة معانا!... انا مانكرش انى يمكن اتشديتلك و يمكن عجبتنى انما ده مش معناه انى...... عندها لم تتوقف عن الكلام، ولكن صوتها خبا فى اذنى و حل محله صوت سيد درويش يواسينى قائلا: ماااااااا دمت انا.. بهااااجرو.. بهاااجروووو.. ارتضييييييييت! مننننننى على الدنيا.... على الدنيا السلام...! ثم اغلقت ضلفتى الشيش فى قوة و عنف لأفيق من حلمى او كابوسى، لست ادرى، و اجد سيد درويش يبدأ قائلا: اااااااناا هااويييييت، و انتهييييييييت و ليه بقى لوووووم.... فضربت بيدى على مفتاح الغلق لأسكت تلك الهواجس او حتى لا اتذكر وكستى، ثم عدت متباطئا للنوم ... فمهما بدا منا، لا تشكوا الوسائد... من نومة العازب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق